سورة الحج - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحج)


        


قوله عز وجل: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ} في البدن ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها الإِبل، وهو قول الجمهور.
والثاني: أنها الإِبل، والبقر، والغنم، وهو قول جابر، وعطاء.
والثالث: كل ذات خُفٍّ وحافر من الإِبل، والبقر، والغنم، وهو شاذ حكاه ابن الشجرة، وسميت بُدْناً لأنها مبدنة في السمن، وشعائر الله تعالى دينه في أحد الوجهين، وفروضه في الوجه الآخر.
وتعمق بعض أصحاب الخواطر فتأول البُدْن أن تطهر بدنك من البدع، والشعائر أن تستشعر بتقوى الله وطاعته، وهو بعيد.
{لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} فيه تأويلان
أحدهما: أي أجر، وهو قول السدي.
والثاني: منفعة فإن احْتِيجَ إلى ظهرها رُكبَ، وإن حُلِبَ لَبَنُها شُرِبَ، وهو قول إبراهيم النخعي.
{فَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوآفَّ} وهي قراءة الجمهور، وقرأ الحسن: صوافي، وقرأ ابن مسعود: صوافن.
فتأول صواف على قراءة الجمهور فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: مصطفة، ذكره ابن عيسى.
والثاني: قائمة لتصفّد يديها بالقيود، وهو قول ابن عمر.
والثالث: معقولة، وهو قول مجاهد.
وتأويل صوافي، وهي قراءة الحسن: أي خالصة لله تعالى، مأخوذ من الصفوة.
وتأويل صوافن وهي قراءة ابن مسعود: أنها مصفوفة، وهو أن تَعقِل إحدى يديها حتى تقف على ثلاث، مأخوذ من صفن الفرس إذا ثنى إحدى يديه حتى يقف على ثلاث، ومنه قوله تعالى: {الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ} وقال الشاعر:
الف الصفون مما يزال كأنه *** مما يقوم على الثلاث كسيراً
{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبهُا} أي سقطت جنوبها على الأرض، ومنه وجب الحائط إذا سقط، ووجبت الشمس إذا سقطت للغروب، وقال أوس بن حجر:
ألم تكسف الشمس ضوء النهار *** والبدر للجبل الواجب
{فَكُلُواْ مِنْهَا} فيه وجهان
أحدهما: أن أكله منها واجب إذا تطوع بها، وهو قول أبي الطيب بن سلمة.
والثاني: وهو قول الجمهور أنه استحباب وليس بواجب، وإنما ورد الأمر به لأنه بعد حظر، لأنهم كانواْ في الجاهلية يحرمون أكلها على نفوسهم.
{وَأَطْعِمُواْ الْقَانِعَ والْمُعْتَرَّ} فيهم أربعة تأويلات
أحدها: أن القانع السائل، والمعتر الذي يتعرض ولا يسأل، وهذا قول الحسن، وسعيد بن جبير، ومنه قول الشماخ:
لمالُ المرء يصلحه فيغني *** مفاقِرَه أعف من القُنُوع
أي من السؤال
والثاني: أن القانع الذي يقنع ولا يسأل، والمعتر الذي يسأل، وهذا قول قتادة، ومنه قول زهير:
على مكثريهم رزق من يعتريهم *** وعند المقلين السماحةُ والبذلُ
والثالث: أن القانع المسكين الطوّاف، والمعتر: الصديق الزائر، وهذا قول زيد بن أسلم، ومنه قول الكميت:
إما اعتياداً وإما اعتراراً *** والرابع: أن القانع الطامع، والمعتر الذي يعتري البُدْنَ ويتعرض للحم لأنه ليس عنده لحم، وهذا قول عكرمة، ومنه قول الشاعر:
على الطارق المعتر يا أم مالك *** إذا ما اعتراني بين قدري وصخرتي


قوله عز وجل: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا} فيه وجهان
أحدهما: لن يقبل الله الدماء وإنما يقبل التقوى، وهذا قول علي بن عيسى.
والثاني: معناه لن يصعد إلى الله لحومها ولا دماؤها، لأنهم كانوا في الجاهلية إذا ذبحوا بُدنهم استقبلوا الكعبة بدمائها فيضجعونها نحو البيت، فأراد المسلمون فعل ذلك، فأنزل الله تعالى: {لَنَ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُم} أي يصعد إليه التقوى والعمل الصالح، وهذا قول ابن عباس.
{كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ} أي ذللها لكم يعني الأنعام
{لِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} يحتمل وجهين
أحدهما: يعني التسمية عند الذبح.
والثاني: لتكبروا عند الإِحلال بدلاً من التلبية في الإِحرام.
{عَلَى مَا هَداكُمْ} أي ما أرشدكم إليه من حجكم
{وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} يحتمل وجهين
أحدهما: بالقبول.
والثاني: بالجنة.


{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ ءَامَنُواْ} فيه ثلاثة أوجه
أحدها: بالكفار عن المؤمنين، وبالعصاة عن المطيعين، وبالجهال عن العلماء.
والثاني: يدفع بنور السنة ظلمات البدعة، قاله سهل بن عبد الله.
قوله عز وجل: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} فيه ستة تأويلات:
أحدها: ولولا دفع الله المشركين بالمسلمين، وهذا قول ابن جريج.
الثاني: ولولا دفع الله عن الدين بالمجاهدين، وهذا قول ابن زيد.
والثالث: ولولا دفع الله بالنبيين عن المؤمنين، وهذا قول الكلبي.
والرابع: ولولا دفع الله بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن بعدهم من التابعين، وهذا قول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
والخامس: ولولا دفع الله بشهادة الشهود على الحقوق، وهذا قول مجاهد.
والسادس: ولولا دفع الله على النفوس بالفضائل، وهذا قول قطرب.
ويحتمل عندي تأويلاً سابعاً: ولولا دفع الله عن المنكر بالمعروف.
{لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ} فيه قولان
أحدها: أنها صوامع الرهبان، وهذا قول مجاهد.
والثاني: أنها مصلى الصابئين، وهو قول قتادة.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صَوْمَعَةُ المُؤْمِنِ بَيْتُه» وسميت صومعة لانضمام طرفيها، والمنصمع: المنضم، ومنه أذنٌ صمعاء.
{وَبِيَعٌ} فيها قولان: أحدهما: أنها بيع النصارى، وهو قول قتادة.
والثاني: أنها كنائس اليهود، وهو قول مجاهد، والبيعة اسم أعجمي مُعَرَّب.
{وَصَلَوَاتٌ} فيها قولان: أحدهما: أنها كنائس اليهود يسمونها: صلوتا، فعرب جمعها، فقيل صلوات، وهذا قول الضحاك.
والثاني: معناه: وتركت صلوات، ذكره ابن عيسى.
{وَمَسَاجِدُ} المسلمين، ثم فيه قولان
أحدهما: لهدمها الآن المشركون لولا دفع الله بالمسلمين، وهو معنى قول الضحاك.
والثاني: لهدمت صوامع في أيام شريعة موسى، وبيع في أيام شريعة عيسى ومساجد في أيام شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا قول الزجاج، فكان المراد بهدم كل شريعة، الموضع الذي يعبد الله فيه.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9